الإنسان وتطوّر اللّغة

2023/03/26

علم الاجتماع

0

0

هل اللّغة ميّزةٌ حصريَّةٌ للجنس البشري؟ أم أنها خاصيّةٌ منتشرةٌ بين الأحياء؟ ما هي اللغة وكيف تطوّرت وما هي فوائدها؟ هذه بعض النقاط التي سأجيب عليها ضمن هذا المقال المتعلّق بخاصيّة اللّغة من منظورٍ تطوريّ.

الإنسان وتطوّر اللّغة

نتج عن التغيّر المناخي -الذي حصل بعد العصر الجليدي الأخير- انخفاضٌ في الموارد اللّازمة لاستمرار وبقاء الكائنات الحيّة ومنها أسلاف الرئيسيّات (القرود العليا). هذا يعني أن الكائنات التي لم تمتلك القدرة في البحث عن الموارد الغذائيّة والمأوى من البرد تعرضَت لضغوطاتٍ تطوريّة أدّت إلى انقراضها. استفاد بعض الرئيسيات من طفراتٍ جينيةٍ ساعدتها على التأقلم مع هذه الظروف المناخيّة الصعبة. من هذه الطفرات كانت القدرة على استخدام الأطراف الأماميّة. ولم تكن هذه الخاصيّة الجديدة مهمّة فقط من ناحية استعمال الأيدي لإمساك الأشياء وتحريكها، وإنما كانت فائدتها غير مباشرة، تتمثل بتحرير الضغط على الجهاز التنفّسي لهذه الرئيسيّات مما أطلق موجةً من الصفات التطوريّة الجديدة.

يتعرض الجهاز التنفّسي لدى الكائنات التي تمشي على أربعٍ لضغطٍ كبيرٍ من عضلات الصدر بشكلٍ مستمر؛ مما يجعل عمليّة التحكّم بالزفيرعمليّةٍ مستحيلة، فإصدار الاصوات متعلّقٌ بشكلٍ مباشرٍ بأليّات عمل الجهاز التنفّسي والقدرة على التلاعب بالفتحات الهوائية التي سيخرج منها الزفير لكي يشكّل الأصوت، لهذا كان تحرير الأطراف الأماميّة ذو أبعادٍ تطوريّةٍ كبيرةٍ جدًا، وهذا هو مدخل بحثنا اليوم.

سأقوم في هذا المقال بسردٍ ملخّصٍ للعوامل البيولوجيّة التي أدّت إلى تطوّر اللّغة لدى الإنسان، وأيضًا معاينة العوامل التاريخيّة والثقافيّة لتطوّر التكنولوجيّات اللّغوية، مثل القراءة والكتابة وغيرها من نتائج هذه الصفة الحصريّة لدى الإنسان. وأود أن أنوّه إلى أنّ الوقوف على قدمين Bipedalism، يعتبر العامل الأساسي في تطور الجنس البشري (2)، لكنّي لن أدخل في تفاصيله هنا.

لا تتطوّر الكائنات الحيّة فيزيولوجيًّا فقط، وإنما تُطوّر تصرّفاتها وعلاقاتها الإجتماعيّة بناءًا على الضغوط المحيطة بها. مثلًا يوجد نوعٌ من أنواع الأسماك اسمه السمك القبطان Pilot fish، هذا النوع طوّرعلاقةً مع سمك القرش، حيث يدخل هذا السمك إلى داخل فم سمكة القرش ويأكل البقايا الموجودة على أسنانها. ورغم أن القرش قادرٌ على التهام هذه الأسماك بسهولة، إلا أنه لا يقوم بذلك لأن الفائدة التي يقدّمها السمك الصغير بالتهام الفضلات تفوق الفائدة من التهامه. هذا يعني أن كلا الكائنين (السمك القبطان وسمك القرش) طوّرا علاقة منفعة متبادلة 

Image placeholder

صفاء جودة

مطور صفحات إلكترونية
وزارة التربية والتعليم العالي